recent
الاخبار

مريم العذراء ابنة يواقيم

طوبي لــمريـم ، فـــتـاة الـــنـاصـــــرة الـتـقــــــيـة ... !!!


مريم العذراء ابنة يواقيم
العذراء مريم

امرأتان علي وشك أن تصبح كل واحدة منهن أماً علي غير العادة، فبينما الأولي عذراء لم تعرف رجل، فإن الثانية عجوز متقدمة في الأيام، ولم تعد لها عادة النساء. ظهر جبرائيل للعذراء التقية التي تسكن الناصرة المحتقرة (يوحنا 1 : 46)، وأخبرها أن حلم كل أجيال اسرائيل قد تحقق "وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً، وابن العلي يُدعى، ويُعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية".

أعطي الملاك كل الطمأنينة لفتاة الناصرة التقية، وأخبرها عن نسيبتها التي ستكون المشجع البشري لها، فنحن نتأكد من صوت الله عندما نسمع ما يدور في أعماقنا يتردد علي لسان الأتقياء من حولنا. اسرعت العذراء لزيارة نسيبتها أليصابات، وبينما سلام العذراء جعل الجنين يُعبر عن فرحته في بطن أليصابات، فإن تشجيعات أليصابات جعلت فم العذارء يُعبر عن أمتنانها لله.

نطقت فتاة الناصرة التقية والعارفة بالكتب المقدسة بترنيمة يهودية رائعة مستوحاة من كتب العهد القديم وخاصة المزامير، كان الله بالنسبة لها هو الرحيم والمخلص والقدوس القدير، وهي الأمور التي لا تغيب عن ذهن كل تقي، فكل تقي يدرك قداسة الله فيتضح له مدي فساده وكم هو خاطيء إلي النهاية ولا يجد في نفسه ما يُأهله للتواصل مع الله، ولكن تقواه تدفعه ليُلقي بنفسه علي رحمة نفس ذلك الأله القدوس لأنه يعرفه أيضاً كالمخلص الشخصي والذي يستطيع أن يتمم ذلك الخلاص لأنه القدير.

فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني ...

لكي نفهم ما كانت تقصده مريم تحديداً من هذا الجزء علينا أن ندرك أن هذا الجزء أيضاً مُقتبس من العهد القديم، فلقد أقتبست مريم كلام جدتها الكبيرة ليئة التي أحتفلت بمولودها الثاني قائلة "«بغبطتي، لأنه تغبطني بنات». فدعت اسمه «أشير»." (تك 30: 13). إنه نفس التعبير تقريباً الذي أقتبسته مريم في ترنيمتها، ففي الأصل اليوناني فإن الكلمة "مكاريوسين" هي التي تُرجمت "تطوبني" وهي نفس الكلمة التي تُرجمت "تغبطني" علي فم ليئة كما أوردتها الترجمة السبعينية اليونانية للعهد القديم.

ليئة توقعت التطويب من بنات اسرائيل.
مريم توقعت التطويب من جميع أجيال اسرائيل.
وبالرغم أن ليئة نطقت بنفس التعبير تقريباً إلا إننا بطول التاريخ الممتد بين ليئة ومريم والذي يزيد عن 1700 سنة لا نقرأ أن بنات اسرائيل قد عملن الموالد والأعياد لليئة أو أنشدن تسبحة أو تمجيد لها، أو عملن أي طقس إكراماً لها، لكن أعياد اسرائيل كلها كانت للرب وبوصية من الرب، وكذلك التسبيح والهتاف والتمجيد كله للرب وليس لغيره، فالأعياد والتسبيح والتمجيد هي مفردات للعبادة وهي لا تقدم إلا للرب وحده، ولكن كل ما في الأمر أن ليئة كانت تتوقع أن يكون لها التقدير وسط بنات جنسها، وهو التقدير الذي لم تجده من زوجها يعقوب، لكن ما حدث فاق توقعات ليئة بكثير فقد كان لها التقدير في أذهان وقلوب كل أجيال اسرائيل التالية بأعتبارها هي وراحيل أمّان للأسباط وهذا التقدير كان واضحاً في كلام الشعب والشيوخ لبوعز "فليجعل الرب المرأة الداخلة إلى بيتك كراحيل وكليئة اللتين بنتا بيت إسرائيل." (راعوث 4: 11)

بالنظر لما تمتعت به ليئة من تقدير في اذهان وقلوب أجيال اسرائيل التالية لها بأعتبارها أم للأسباط، فإن فتاة الناصرة التقية والتي كانت في ذلك الوقت لا يتعدي ذهنها حدود الفكر اليهودي، توقعت بالأولي أن يكون لها التقدير من جميع أجيال اسرائيل التالية لها بأعتبارها أم المسيا، وبالرغم أن توقعاتها لم تتحقق في أجيال اسرائيل التالية لها حيث رفض اسرائيل المسيا ولم يعترف به، إلا أننا نستطيع القول أن توقعاتها تحققت علي نحو مغاير خارج دائرة اسرائيل، فهي بلا شك اصبح لها كل التقدير والأحترام في قلوب واذهان كل من أعترفوا بالمسيح رباً ومخلصاً عبر كل أجيال المسيحية سواء من اسرائيل أو من الأمم.

لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس ...

هذا هو السبب الذي لأجله توقعت مريم التقدير من أجيال اسرائيل التالية، ليس شيئاً في ذاتها ولا في شخصيتها، ففي ذاتها كانت مولودة بالخطية وتحتاج الله كالمخلص (عدد 47) وفي شخصيتها كانت متواضعة إجتماعياً وساكنة في مدينة محتقرة (عدد 48) (يوحنا 1 : 46) ، بل إن كل الفضل في نظرها كان لله ولعمله، فهو الذي صنع العظائم بها وهو الذي يستحق التعظيم (عدد 46) لقد نحَّت نفسها تماماً من المشهد مفسحة المجال بالتمام للقدير والقدوس والمخلص الرحيم. فكل ما أخذته من يده كان نعمة، لا تستحقها ولا تستحقها أي امرأة أخري لا في اسرائيل ولا في غير اسرائيل.

بالرغم أن عموم أجيال اسرائيل إلي الأن رفضت المسيح وبالتالي ولم تتحقق فيهم توقعات فتاة الناصرة التقية بتطويبها، إلا أن الكتاب يسجل لنا تطويبة واحدة لها من امرأة اسرائيلية أثناء خدمة المسيح الجهارية علي الأرض "وفيما هو يتكلم بهذا، رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت له: «طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما»." (لوقا 11: 27) فماذا كان رد فعل المسيح علي تطويب هذه السيدة لمريم ؟

"أما هو فقال: «بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه»." (لوقا 11: 28) لاحظ لقد طوب الرب الذين يسمعون كلام الله ويحفظونه أكثر من تطويب مريم لكونها تحصلت علي نعمة أن يأتي عن طريقها بجسد بشري إلي عالمنا، وذلك لأننا لو أفترضنا جدلاً أن مريم بعدما أتي منها المسيح بالجسد لم تقبله كالمخلص ولم تقبل عمله الكفاري علي الصليب فكانت ستهلك حتماً مثلما هو هالك كل من يرفض عمل المسيح الكفاري علي الصليب. فولادة المسيح من مريم كانت بركة كبيرة تحصلت هي عليها، ولكنها بركة لا تستطيع أن تخلصها من خطاياها، بينما بركة سماع كلام الله وحفظه ومن ثم قبول كفارة المسيح هي ما أتت بمريم وكل المؤمنين إلي السلام الأبدي في المسيح.

فإذا كان الله قد بارك فتاة الناصرة التقية بأن جاء منها متجسداً، فإن البركة الأعظم والطوبي الأسمي هي من نصيب كل شخص يسمع كلام الله ويحفظه ومن ثم يقبل عمل الله في المسيح ككفارة عن الخطايا، فيحتمي فيه وينال بأسمه غفران الخطايا (اعمال 10 43). ويستطيع عندها ذلك الشخص أن يتغني مع الرسول قائلاً "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح،" (أف 1: 3).



author-img
موقع الفكر المسيحى

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent