![]() |
القديس إيريناوس أسقف ليون |
القديس إيريناوس أسقف ليون (St Irenaeus, Bishop of Lyons )
ميلاده ونشاته
لا يُعرف تاريخ ميلاده تحديداً وفترة طفولته وشبابه ولكنه يُرجح أنه وُلد في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي ومن أصل يوناني حيث وُلد بحسب بعض المؤرخين في مدينة سميرنا (Smyrna ) بآسيا الصغرى { هي الآن مدينة أزمير التركية } وقد وُلد في أسرة مسيحية تقية. تربى على يد القديس بوليكاربوس
• في أثناء فترة اضطهاد ماركوس اوريليوس (Marcus Aurelius){ وهو الإمبراطور الروماني ماركوس اوريليوس أنطونيوس أغسطس(Marcus Aurelius Antoninus Augustus ) حكم من 161م حتى 180 وهو أحد الفلاسفة الرومان المشهورين } للمسيحيين كان في ذلك الوقت إيريناوس كاهناً لكنيسة ليون (Lyon ) وكان الكثير من المؤمنين بالسجون وقتها .
في عام 177م وبسبب ظهور بدعة جديدة { المونتانية * 1( Montanism ) } بدأت في الانتشار أرسله أسقف المدينة بوثينوس ( Pothinus ويذكر أحياناً بأسم فوتينوس ) بخطاب إلي البابا في روما البابا إليوتيروس(Pope Eleuterus ) {هو البابا رقم 13 في تاريخ الكنيسة الرومانية جلس علي كرسي بطرس الرسول في 174 م حتى استشهاده في 189م وهو من أصل يوناني }وذلك للتشاور في كيفية مواجهة هذه البدعة
في أثناء وجود إيريناوس بروما حدثت مذبحة بمدينة ليون واستشهد أسقف المدينة وتم تنصيب إيريناوس خلفاً للقديس بوثينوس الشهيد أسقف المدينة وما أن علم إيريناوس عاد من روما .هدأ الاضطهاد الذي قاده الإمبراطور الروماني وكان إيريناوس قد وصل ليون وبدأ في سيامة الكهنة وتقسيم إيبارشيته وتوزيع المهام لمحاربة البدع التي كانت تزلزل الكنيسة وقتها فلم تكن فقط البدعة المونتانية بل أيضاً الغنوصية **2 التي كانت تنتشر وكانت أمواج البدع العاتية تتلاطم بسفينة الكنيسة وفي تلك الفترة كتب إيريناوس أعظم كتب اللاهوت المسيحي دفاعا عن الإيمان القويم المُسلم من التلاميذ والرسل الأطهار فكتب كتابه " ضد الهرطقات "( Adversus haereses ).
يذكر المؤرخ أوسابيوس ( Eusebius ) بأنه عاش فعلاً كما يعنيه اسمه أي "صانع السلام" فعندما حدث الخلاف بين البابا فيكتور الأول (Pope Victor I ) {هو البابا رقم 14 بتاريخ الكنيسة الرومانية وهو من مواطني الدولة الرومانية بأفريقيا تحديدا مدينة لبدة بليبيا ووصل إلي الكرسي البطرسي في 189م وتنيح في 199 } وأساقفة آسيا الصغري بسبب تحديد مواعيد الفصح حثهم علي التقارب وأنهي الخلاف بينهم .
حتى عام 1904 لم نكن نعرف عن المؤلَّف الثاني سوى عنوانه: "برهان تعليم الرسل" (تاريخ الكنيسة لأوسابيوس 5 / 26)، لكن في ذلك العام اكتُشفَت ترجمة أرمينية لهذا الكتاب ونُشرت عام 1907. يتكلم الكتاب عن الحقائق الأساسية في المسيحية: الأقانيم الثلاثة، الخليقة، خطيئة الإنسان، تجسّد الله والفداء. يبرهن الكاتب عن صحة هذه العقائد باستشهاده من كتب العهد القديم.
يُعتبر إيريناوس أحد آباء الكنيسة العظام وتعاليمه اللاهوتية في مواجهة رياح عواصف الهرطقات باقية حتي الآن فلم تكن كتاباته فقط لدحض الهراطقة وإنما لشرح وتأكيد الإيمان المستلم من الرسل ومن كلمة الله بالكتاب المقدس ويمكن إجمالا عرض بعض
اللمحات عن هذه التعاليم كالآتي :-
أ. يؤكد إيريناوس بأن الله الواحد هو نفسه خالق العالم وأبو الكلمة (اللوغوس). هو لا يشرح العلاقة بين الأقانيم الإلهية، إلا أنه مقتنع تماماً بأن تاريخ الخلاص يُثبتُ وجودهم منذ الأزل. إن كلمات سفر التكوين: "لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا" (تك 1 / 26) الموجّهة من الله الآب إلى الابن والروح القدس اللذين يشبههما إيريناوس بيدي الله الآب، التي صنع بهما العالم.
ب. يصف إيريناوس ولادة الإبن من الآب بالأمر الذي لا يُدرك ولا يُوصَف ويقول:"أظهر الله نفسه بواسطة الإبن الذي هو في الآب والذي فيه الآب.
ج. تحتل فكرة "الجمع تحت رأس واحد " المركز المحوري في مسيحانية إيريناوس وبالتالي في كل فكره اللاهوتي. اتّخذ هذه الفكرة من القديس بولس (أف 1 / 10) وطوّرها: فمن خلال عمل الله الذي يجمع كل خليقته تحت رأس واحد هو المسيح، تتجدّد الخليقة وتمحى آثار عصيان آدم الأول لأن آدم الثاني (المسيح) قد صارع الشرير وغلبه فجدَّد كل شيء.
د. لقد أثرت الفكرة السابقة في نظرة إيريناوس لمريم العذراء. ومع أن يوستينوس كان أول من قارن بين حواء ومريم إلا أن إيريناوس تعمّق أكثر في هذه المقارنة: كما أن الخليقة سقطت بعصيان إمرأة (حواء) هكذا تنجو بطاعة إمرأة (مريم) لأنها ولدت آدم الجديد، لذا تستحق أن تُدعى "محامية حواء"، وهي بالحقيقة أم الخليقة الجديدة.
هـ. نجد أيضاً مفهوم الكنيسة (إكلسيولوجيا) متأثراً بفكرة "الجمع تحت رأس واحد": فالله قد أراد أن يحقق ويكمل في الكنيسة عمله الإلهي بأن يجمع الكل تحت رأس واحد هو المسيح.
من جهة أخرى يعتبر إيريناوس أن مصدر الإيمان الحق هو تعليم الرسل الثابت. وهو يعرض الإيمان المسيحي متّبعاً قانون إيمان الرسل بحذافيره. لهذا فإن الكنائس المؤسَّسة من قِبَل الرسل هي وحدها القادرة على حفظ الإيمان القويم، فخلافة الأساقفة غير المنقطعة تضمن لها عدم الحياد عن التعليم الصحيح. هذا تماماً ما يفتقده الهراطقة.
و. في حديثه عن الإفخارستيا يؤكد إيريناوس حضور جسد ودم المسيح فيها، ومنها يستنتج قيامة الجسد: "بما أن الكأس الممزوج بالماء والخبز المصنوع ينالا إفخارستيا دم وجسد المسيح، فيمنحا جسدنا غذاءً ودعماً، فكيف يقول البعض أنه لا يمكن للجسد أن يتقبل عطية الله أي الحياة الأبدية؟!".
ز. يحتوي قانون العهد الجديد حسب إيريناوس على: الأناجيل الأربعة، رسائل بولس، أعمال الرسل، رسائل ورؤيا يوحنا، رسالة بطرس الأولى وكتاب راعي هرماس ( إحدي الكتابات المسيحية القديمة يرجع تاريخها إلي 140م ) . يعتبر هذه الكتب ملهمة على مثال كتب العهد القديم وللكنيسة الكلمة الحاسمة في تفسيرها ذلك أنها "أشجار مزروعة في حديقة الكنيسة".
ح. في ما يتعلق بالإنسان يعلِّم إيريناوس بأنه مؤلَّف من جسد ونفس وروح. فالروح (وهنا من الصعب تحديد طبيعته: أي إن كان المقصود به روح الله أم روح الإنسان!) هو الذي يجعل الإنسان كاملاً. إلا أنه في تفنيده فكرة الغنوصيين القائلة بأن النفس خالدة بطبيعتها وبمعزلٍ عن سيرتها الأخلاقية ذهب إيريناوس إلى حد القول بأن النفس ليست خالدة بطبيعتها بل بسبب سيرتها الأخلاقية الصالحة!.
ط. إن لؤلؤة إيريناوس الحقيقية في لاهوته حول الخلاص (سوتِريولوجيا) هو تأكيده بأن كل إنسان بحاجة للفداء وقابل له. فبعد خطيئة أبوينا الأولين فَقَدَ الإنسان صورة الله فيه، لكن خلاص المسيح جدَّدَ فيه هذه الصورة.
( 1 ) لتحميل كتاب ضد الهرطقات كامل PDF - للقديس ايريناوس اسقف ليون
في حديثه عن الخلاص يتحاشى إيريناوس استعمال تعبير "تأليه" ويستعمل بدلاً منه تعبير "المشاركة في مجد الله"، فقد كان حريصاً على عدم إلغاء الحدود بين الله والإنسان كما كانت تفعل بعض الديانات الوثنية والغنوصية.
• جدير بالذكر أن القديس إيريناوس هو تلميذ القديس الشهيد بوليكاربوس تلميذ القديس يوحنا الإنجيلي ***3.
• تنيح القديس إيريناوس في عام 202 والبعض يقول أنه استشهد كما يذكر القديس جيروم ولكن لا يوجد ما يؤكد ذلك أو ينفيه . ودفن بكنيسة القديس يوحنا في ليون بفرنسا ثم تكريما له سُميت الكنيسة علي اسمه .
1- المونتانية : هي بدعة أسسها شخص يدعي مونتانوس (Montanus ) بمدينة فريجية بآسيا الصغري سنة 177 وأدعي النبوة وتبعه كثيرون في منطقة آسيا الصغري بدأت كحركة زهد وتقشف وكان أعضائها بداخل الكنيسة يعترفون بالإيمان المشترك ولكن سرعان ما بدأوا يعلنون عن عقيدتهم والتي بها تشوش بخصوص الروح القدس وإيمانهم بتناسخ الأرواح انتشرت تلك البدعة بكل أنحاء أسيا الصغري ووصلت إلي الغرب وسقط فيها العلامة ترتليانوس بشمال أفريقيا في القرن الثالث واستمرت حتي القرن السادس .
2- الغنوصية : هي كلمة يونانية والتي تعني "المعرفة" ذلك أنها تدل على المعرفة السريّة لله التي يدّعي أتباع هذا المذهب إمتلاكها. أما الغنوصيّة فتدلّ على البدع التي ظهرت في القرنين الثاني والثالث والتي أنشأت، انطلاقاً من بحوث العرفان ) المعرفة السريّة ( ، أنظمة فكريّة تخلط مذاهب التصوفية اليهوديّة والثنائية الزرادشتيةبالعقائد المسيحيّة . قد اعتمدت الغنوصيّة في تعاليمها على الكثير من الأساطير لشرح نشوء العالم المادي مِن الإله الواحد المجهول. فهم يقولون بأن كائنات إلهيّة انبثقت عن الله الواحد وهي ذات كيان أدنى منهُ، آخر هذه الكائنات كانت "الحكمة" التي كانت تريد رؤية الله الذي لا يُرى، فجرَّت على نفسها عقوبة من إله أدنى شرير هو الكائن الوسيط المسؤول عن خلق العالم المادي والبشر. لكن الله أراد أن يفدي البشر الماديين فنفخ فيهم شعلة إلهية. الإله الشرير هو إذاً إله العهد القديم الذي كان يريد دائماً إبقاء الإنسانية في عبودية الجهل، كي لا تستطيع بلوغ المعرفة، على هذا تشهد بعض فقرات الكتاب المقدس كطرد آدم وحواء من الفردوس والطوفان.
امين
( 1 ) لتحميل كتاب ضد الهرطقات كامل PDF - للقديس ايريناوس اسقف ليون