عقيدة الثالوث هي إحدى العقائد الأساسية في المسيحية التي تميزها عن غيرها من الأديان. تُعلّم هذه العقيدة أن الله واحد في الجوهر ولكنه موجود في ثلاثة أقانيم : الآب، والابن، والروح القدس. وعلى الرغم من تعقيد هذا المفهوم عند بعض الناس ، فإن الثالوث يُعدّ ركيزة أساسية للإيمان المسيحي، إذ يعكس طبيعة الله كما أُعلن في الكتاب المقدس . فالله واحد ( وحدانية جامعة )
![]() |
عقيدة الثالوث |
أصل عقيدة الثالوث
1. الخلفية الكتابية
أ. العهد القديم
على الرغم من أن عقيدة الثالوث لم تكن واضحة بشكل كامل في العهد القديم ، إلا أن هناك إشارات مبكرة إلى التعدد الاقنومى في طبيعة الله. على سبيل المثال :
التكوين 1:26: "وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا". من الملاحظ ان المتكلم هنا هو الله ( وقال الله ) قد اتت بصيغة المفرد ( للادالة على وحدانية الله ) وفى نهاية العبارة اتت بصيغة الجمع ( نعمل الانسان على صورتنا كاشبهنا )
التكوين 3 وقال الرب الإله: وهذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر.
التكوين 11 هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض.
ب. العهد الجديد
في العهد الجديد، نجد إعلانًا واضحًا عن عقيدة الثالوث :
معمودية يسوع (متى 3:16-17) حيث يظهر الآب بصوته من السماء، والابن في المعمودية، والروح القدس في هيئة حمامة .
إرسالية المسيح العظمى للتلاميذ حيث قال لهم (متى 28:19): فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلْآبِ وَٱلِٱبْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.
الخاتمة الرسولية : ١٤ نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.
2. استخدام المصطلح "ثالوث"
ظهر مصطلح "ثالوث" لأول مرة في كتابات آباء الكنيسة، وخاصة على يد ترتليان في القرن الثاني الميلادي. على الرغم من أن الكتاب المقدس لا يستخدم هذا المصطلح، فإن المفهوم موجود ضمنيًا في النصوص الكتابية.
التطور التاريخي لعقيدة الثالوث
1. الكنيسة الأولى
أ. القرون الأولى
في القرون الأولى، كان التركيز الأساسي على فهم طبيعة المسيح وعلاقته بالآب. ظهرت بعض التحديات مثل:
الأريوسية: التي أنكرت ألوهية الابن .
السابيلية: التي نظرت إلى الأقانيم الثلاثة كأوجه مختلفة لشخص واحد .
ب. مجمع نيقية (325 م)
كان هذا المجمع نقطة تحول في صياغة عقيدة الثالوث، حيث أكد على ألوهية الابن ووحدته مع الآب في الجوهر.
2. مجمع القسطنطينية الأول (381 م)
وسع هذا المجمع الفهم ليشمل الروح القدس، مؤكدًا ألوهيته ودوره ضمن الثالوث.
فهم الثالوث: الجوهر والأقانيم
1. مفهوم "الجوهر"
يشير الجوهر إلى طبيعة الله الواحدة التي لا تتجزأ. الله واحد في جوهره، أزلي وغير محدود .
2. مفهوم "الأقانيم"
الأقانيم هم الآب، الابن، والروح القدس. يتميز كل أقنوم بخصائص فريدة:
الآب: المصدر والخلق.
الابن: التجسد والفداء.
الروح القدس: القداسة والإرشاد.
3. العلاقة بين الأقانيم
العلاقة بين الأقانيم هي علاقة محبة أبدية، تعبر عن الوحدة الكاملة في الجوهر مع التميز في الدور.
الإعلان اللاهوتي لعقيدة الثالوث
1. آباء الكنيسة
ساهم آباء الكنيسة في تفسير العقيدة، ومن أبرزهم:
أوغسطينوس: الذي ركز على الثالوث كمثال للمحبة الإلهية.
القديس كيرلس الإسكندري: الذي دافع عن ألوهية الروح القدس.
2. اللاهوت الشرقي والغربي
في اللاهوت الشرقي، يتم التركيز على العلاقة بين الأقانيم، بينما يركز اللاهوت الغربي على الوحدة الإلهية.
التطبيقات الروحية لعقيدة الثالوث
1. في العبادة
الثالوث هو جوهر العبادة المسيحية، حيث يُعبد الله كواحد في ثلاثة.
2. في الحياة المسيحية
عقيدة الثالوث تلهم المسيحيين للعيش في محبة وشركة، تعكس العلاقة بين الآب، الابن، والروح القدس.
الخاتمة
عقيدة الثالوث هي سر يتجاوز الفهم البشري ولكنه يُظهر جمال الله وتنوعه في وحدته. إنها دعوة للغوص في أعماق محبة الله وفهم عمله في الخلق والفداء والتقديس.