recent
الاخبار

من هو القديس ترتليانوس

القديس ترتليانوس : مؤسس اللاهوت اللاتيني

القديس ترتليانوس
من هو القديس ترتليانوس

يُعتبر القديس ترتليانوس واحدًا من أبرز الآباء المدافعين عن الإيمان المسيحي في القرون الأولى، وأول من كتب لاهوتيًا باللغة اللاتينية. تميزت كتاباته بالدفاع عن العقيدة المسيحية ضد الاضطهادات والهجمات الفكرية الوثنية، كما كان له دور كبير في تشكيل الفكر اللاهوتي والتعبير عن الإيمان بطريقة منهجية. يُعرف ترتليانوس أيضًا بأنه أول من استخدم مصطلح "ثالوث" للإشارة إلى طبيعة الله الثلاثية، مما يجعل إرثه أساسيًا لفهم اللاهوت المسيحي التقليدي.

حياة القديس ترتليانوس

1. نشأته وتعليمه

وُلد ترتليانوس حوالي عام 155 ميلادي في قرطاج، وهي مدينة تقع في شمال إفريقيا وتُعتبر واحدة من المراكز الثقافية الرومانية المهمة. نشأ في بيئة وثنية، حيث كان والده ضابطًا في الجيش الروماني، مما وفر له تعليماً كلاسيكياً متيناً شمل الفلسفة، البلاغة، والقانون. هذا التعليم ساعده لاحقًا في صياغة دفاعاته عن الإيمان المسيحي.

2. اعتناقه المسيحية

تأثر ترتليانوس بشدة بشجاعة المسيحيين أثناء الاضطهادات الرومانية، مما قاده إلى الإيمان بالمسيح. اعتنق المسيحية في حوالي الثلاثينيات من عمره، وأصبح مدافعًا شرسًا عن الإيمان ضد الوثنيين والهراطقة.

3. دوره في الكنيسة

لم يُرسم ترتليانوس كاهنًا أو أسقفًا، ولكنه كان له تأثير كبير كمفكر وكاتب. أعماله اللاهوتية والفكرية أصبحت حجر الأساس للعديد من تعاليم الكنيسة اللاتينية.

أعمال ترتليانوس الكتابية

1. الدفاعيات

أشهر أعمال ترتليانوس هي كتاباته الدفاعية، التي رد فيها على الهجمات الوثنية ضد المسيحية، ومن أبرزها:

"الاعتذار" (Apologeticum): كتاب موجه إلى الحكام الرومان للدفاع عن المسيحيين ضد الاضطهاد، حيث أوضح فيه أن المسيحية ليست تهديدًا للدولة.

"إلى الوثنيين" (Ad Nationes): هاجم فيه خرافات الوثنيين وأظهر تفوق الإيمان المسيحي.

2. اللاهوتيات

قدم ترتليانوس شرحًا منهجيًا للعقيدة المسيحية، ومن أبرز كتاباته اللاهوتية:

"ضد بركسياس" (Adversus Praxean): تناول فيه عقيدة الثالوث ورد على الهرطقة السابلية، مؤكدًا أن الله واحد في الجوهر وثلاثة في الأقانيم."عن النفس" (De Anima): بحث في طبيعة النفس البشرية من منظور مسيحي.

3. الأخلاقيات

كان ترتليانوس أيضًا كاتبًا أخلاقيًا، حيث دعا إلى حياة نقية ومقدسة. في كتابه "عن الحجاب العذري" (De Virginibus Velandis)، ركز على ضرورة التواضع والعفة.

عقيدة الثالوث عند ترتليانوس

1. صياغة مصطلح "ثالوث"

كان ترتليانوس أول من استخدم كلمة "ثالوث" (Trinitas) لوصف طبيعة الله الثلاثية. أكّد أن الله هو واحد في الجوهر (Substantia) ولكن موجود في ثلاثة أقانيم (Personae): الآب، الابن، والروح القدس.

2. الرد على الهرطقات

في كتابه "ضد بركسياس"، رد ترتليانوس على الهرطقات التي أنكرت التمييز بين الأقانيم، موضحًا أن الثالوث لا يعني تعدد الآلهة، بل هو وحدة جوهرية ذات تنوع أقنومي.

تأثيره على اللاهوت المسيحي

1. تأسيس اللاهوت اللاتيني

يُعتبر ترتليانوس الأب المؤسس للاهوت اللاتيني، حيث نقل الفكر المسيحي من الإطار اليوناني إلى اللاتيني، مما ساهم في تطوير لغة اللاهوت المسيحي في الغرب.

2. تأثيره على آباء الكنيسة

ترك ترتليانوس بصمة كبيرة على آباء الكنيسة مثل القديس أوغسطينوس، الذي استلهم العديد من أفكاره اللاهوتية، خصوصًا فيما يتعلق بعقيدة الثالوث.

3. إرثه في الفلسفة المسيحية

مزج ترتليانوس بين الفكر الفلسفي واللاهوتي، مما ساعد في تقديم المسيحية كدين عقلاني يمكن الدفاع عنه في مواجهة الفكر الوثني والفلسفات المنافسة.

الخاتمة :

القديس ترتليانوس هو شخصية فريدة في تاريخ الكنيسة المسيحية، حيث قدم الكثير للإيمان المسيحي من خلال كتاباته التي دافعت عن العقيدة وأوضحتها بشكل منهجي. إرثه الفكري واللاهوتي لا يزال حيًا حتى اليوم، خاصة في فهم عقيدة الثالوث وتطوير اللاهوت المسيحي الغربي .على الرغم من الجدل الذي أحاط ببعض أفكاره وتحولاته، يبقى ترتليانوس واحدًا من أعظم المدافعين عن الإيمان المسيحي في العصور المبكرة، وأحد الركائز الأساسية التي قامت عليها الكنيسة اللاتينية.

امين 




author-img
موقع الفكر المسيحى

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent