الله فى المسيحية ؟
![]() |
الله فى المسيحية |
حكمة رجل باحث عن الحق
لما كان والله أعز من لدينا من كل عزيز في الوجود، ورأيت رجال الدين والفلسفة يختلفون فيها بينهم من جهة ذاته اختلافاً ليس بالقليل، أردت أن أعرف الحقيقة بنفسي ، واقف على أسباب الخلاف بينهم من نحوها. وقد حاول كثيرون من رجال الفلسفة، توضيح إعلانات الكتاب المقدس من ذات الله ، أو بالحري من ثالوث وحدانيته ، حتى يستطيع الناس فهمها وإدراكها، لكنهم لم يستطيعوا إلى ذالك سيلا، لأنهم انحرفوا عن أقواله، واعتمدوا على عقولهم وحدها .
لا ينبي الكتاب المقدس عن وحدانية الله فحسب، بل ينبي أيضاً من كنه ذاته، التي تسمو فوق العقل والإدراك سموا لاحد له ، فالكتاب المقدس، لا ينبي فقط أن الله لا شريك له ولا نظير له، وأنه لا أجزاء فيه ولا تركيب . كذلك أنه ليس أقنوماً واحداً، بل ثلاثة اقانيم ، فى جوهر واحد وحقيقة وحدانية الله وعدم وجود تركيب فيه، أطلق عليها ( الوحدانية )، وحقيقة كونه ثلاثة أقانيم ، يطلق عليها (الثالوث ).
معنى الله ( ذات )
لا نقصد بقولنا إن الله ذات أنه شخص كالأشخاص المحدودة ، أو أنه في جوهر مماثل للجواهر المخلوقة ، لأننا نؤمن أن الله لا شبيه له ولا نظير، ولكن القصد أنه كانن له وجود ذاتى، يستطيع التعبير عن نفسه بكلمة ( أنا ) وهو ليس مجرد طاقة أو معنى . وقد شهد بهذه الحقيقة كثير من الفلاسفة ونحن وإن كنا نتفق معهم على أن الله يسمو فوق العقل والإدراك،
مكان وجود ( الله )
وقد شهد معظم الفلاسفة، على اختلاف الأديان التي ينتمون إليها، أن الله لا يحده مكان ، فقال أرسطو المحرك الأول (أي الله) ليس في مكان ما، لأنه غير جسمي ، ولانه ليس في حاجة إلى مكان معين، وقال القديس أوغسطينوس : والله موجود في كل مكان بنوع خفي ، وموجود في كل مكان بنوع ظاهر ، فموجود بالحالة الأولى، لأنه لا يمكن لأحد أن يعرفه كما هو في ذاته ، وموجود بالحالة الثانية، لأنه لا يقدر أحد أن يجهل وجوده
وقد أشار الله إلى عدم تحيزه بمكان فقال : «العلي إله من قريب يقول الرب ولست إلها من بعيد ؟! إذا اختبا إنسان في أماكن مستترة أفما أراه أنا يقول الرب ؟! أنا أملا السموات والأرض يقول الرب، ارمیا ۲۳:۲۴ ، ٣٤) والحق أن هذا النوع من الوجود يفوق العقل والإدراك ، فإذا رجعنا إلى أقوال الأنبياء أنفسهم ، وجدناه قد بهرهم وأعجز بيانهم .. فقد قال داود النبي لله : «أين أذهب من روحك ، ومن وجهك أين أهرب ؟! إن صعدت إلى السموات فأنت هناك، وإن فرشته في الهاوية فها أنت !! إن أخذت جناحي الصبح، وسكنت في أقاصي البحر، فهناك أيضاً تهديني بيمينك» (مزمور ۱۳۹ : ۱۰۰۷)، کما خاطبه سليمان الحكيم ، عندما بني الهيكل : «هل يسكن الله حقا على الأرض ؟ هوذا السموات لا تسعك !! » ( ١ ملوك ۱۸ ۲۷)، كما قال آخر: «أإلى عمق الله تتصل ، أم إلى نهاية القديرتنتهى ؟ هو أعلى من السموات ، فماذا عساك أن تفعل؟ أعمق من الهاوية ، فإذا تدري؟
أطول من الأرض طوله واعرض من البحر، وأيوب ۷:۱۱-۹)، وقال اليهو: «هوذا الله عظيم ولا نعرفه ، وعدد سنيه لا يفحص ، ( أيوب ٢٤:٣٦). وبالطبع لا يقصد أيوب بهذا الوصف تصوير الله بحجم كبير، بل يقصد به فقط عدم إمكانية وضع أي حد من الحدود له . ومع كل، فهذا الوجود هو الذي يتوافق مع الله وخصائصه وأعماله كل التوافق ، وذلك للأسباب الآتية :
1- الله هو خالق كل شيء، الذي لا يمكن أن يحده مكان ما.
2- الله لا أثر للمادة فيه ولذا لا يتحيز بحيز، ومهما كان تعريف العلماء لمادة إلا أنها حادثة ، والله ليس بحادث ،
3- الله غير محدود ولا يحده حد من الحدود
4- الله خالق الكون وحافظه ومديره والمتكفل بسلامته، حسب مقاصده الأزلية مننحوه، والقائم بهذه الأعمال لا يتحيز بحيزولذلك لا سبيل للاعتراض على عدم تحيز الله بمكان ، كما أنه لا سبيل للاعتراض على عدم وجود حد لتعينه ،
صفات الله
بما أن الله ذات، والذات لها صفات ، إذا فله صفات لكن نظرا لأن ذاته تفوق العقل والإدراك، كانت صفاته أبعد من أن نستطيع تحديدها أو تعينها، ولذلك نكتفي هنا بالكتابة ما استطاعت عقولنا أن تدركه منها ، وشهد الكتاب المقدس عن اتصافه بها
1- وجوب الموجود: الموجود كما يقول الفلاسفة نوعان: ( ممکن الوجود) و( واجب الوجود) . وممكن الوجود هو الحادث الذي لا يوجد إلا بسبب ولا ينعدم إلا بسبب. ولذلك فهو لا يتقدم الـسبب ولا يلازمه ، بل يكون بعده، ومن أمثلته الجماد والنبات والحيوان. أما مواجب الوجود، فهو وحده القديم الأزلي، الذي يحتاج في وجوده إلى موجد، لأن وجوده من مستلزمات ذانه ، ولذلك لا يجوز ايضا القول إنه اوجد ذاته، لأن قولا مثل هذا يدل على أنه كان متقدماً على ذاته، وهذا محال . وهو ثابت إلى الأبد لا يزيد ولاينقص ولا يطرأ عليه تغيير ما.
ولذلك فالله دون سواه هو واجب الوجود ولو فرضنا جدلا أن ( واجب الوجود) ليس له وجود كما يدعي بعضهم . لقضى علينا المنطق بالتسليم بوجوده، لأنه لا بد أن ننتهي في بحثنا عن علل الأشياء، إلى علة أولى لا علة لوجودها، هي علة واجبة الوجود، وأصل ومصدر كل الأشياء لأنه لو كان الأمر غير ذلك ، لأنتهى بنا بالبحث إلى التسلسل في الأزلية إلى ما لا نهاية له، وهذا ما لا يتفق مع العقل إطلاقا.
فاي نوع منها يتناسب مع الله ؟
الجواب بما انه لو كان الله ممكن الوجود، لكان مثله مثل العالم، وتبعا لذلك لما كان في إمكانه أن يوجده (لأن العالم لا يستطيع أن يوجد من تلقاء ذاته ، عالما مثله)، فمن البديهي أن يكون الله ( واجب الموجود ).
والكتاب المقدس يعلن هذه الحقيقة، فضلا عن الآيات الكثيرة التي تشهد بها عنها فهو ينبئنا أن الله قد أطلق على نفسه باللغة العبرية (وهي لغة التوراة) اسم «يهوه» أي «الكائن بذاته
1-واجب الوجود.
وبما أن الله واجب الوجود ، فهو لم يكن مسبوقاً بوجود أو عدم، وإذا فهو ليس منذ الأزل فحسب، بل انه ايضاً الأزلي، وبما انه الازلي فهو أبدي كذلك ، لأن ما لا بداية له، لا نهاية له، وقد شهد الفلاسفة على اختلاف الأديان التي ينتمون إليها، بهذه الحقيقة، فقال مليسوس: ليس الله مبداء وما ليس له مبدا، ليس له نهاية»، وقال القديس أوغسطينوس : لله الأزلية الحقيقية. وقال القديس غريغوريوس : الله ليس له ابتداء او انتهاء». وقال الفارابي وابن سينا : الله واجب الوجود ، ووجوده لذاته، أي أنه لم يكن مسبوقاً بعلة أو زمن .
والكتاب المقدس ينص على أزلية الله وأبديته بكل وضوح، فقد قال: إنه الأول والآخر» (إشعياء 44 : 1) وإنه «منذ الأبد اسمه، (اشعياء 63 : 16) ولذالك خاطبه موسى النبي بالوحي : ومن قبل أن تولد الجبال أو أبدات الأرض والمسكونة ، منذو الأزال إلى الأبد انت الله» (مزمور ۲:۹۰)
۲ - القدرة : بما أن الله هو خالق العالم وحافظه ومدبره، فهو قدير بقدرة لا حد لها . ويقول الكتاب المقدس: «كل شيء مستطاع عند الله: (متي ٢٦:١٩)، وقال أيضاً: الله القادر على كل شيء، (تكوين 48 : 3) ولذلك خاطبه أحد الأنبياء بالوحي ( لك ذراع القدرة ، قوية يدك . مرتفعة يمينك» (مزمور ۱۳:۸۹)
3- الإرادة بما أنه ليس من المعقول أن يكون الله قد خلق العالم مرغماً ولأنه ليس هناك من يرغمه على القيام بعمل ما) إذا فهو مريد، ولذلك قال الوحي : «كل ما شاء الرب صنع، في السموات وفي الأرض، في السحار وفي كل المجح» (مزمور 6:135). وقال أيضا عنه : والذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيته، (افسس ۱۱:۱)
4- العلم : بها أن صانع الشيء يعلم كل شيء عنه، وعن يمكن أن يطرأ عليه، إذا فالله على علم أزلي نام بجميع الأشياء التي في العالم إذ فضلا عن كونه خالق العالم، ويعرف كل شيء يمكن أن يطرأ عليه في كل الأزمنة تبعا لذلك، فإنه لا يتأثر بالزمن على الإطلاق، لأنه أول أبدي، ويناس الكتاب المقدس على علم الله بكل الأشياء، فقد قال : «معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله، وأعمال ۱۵ : ۱۸)، ولذلك خاطبه داود النبي بالوحي : يا رب قد اختبرني وعرفتني ، أنت عرفت جلوسي وقيامي فهمت فكري من بعيد، وكل طرق عرفت ، لأنه ليس كلمة في لسان إلا وأنت يارب قد عرفتها كلها. طرقي . (مزمور 1۳۹ : 1 - 1). وقال بولس الرسول: «يا لعمل على الله وحكمته وعلمها ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه من الاستقصاء !!» (رومية 33:11). وقال أيضاً: «ولیست خليقة غير ظاهرة قدامه، بل كل شيء عريان ومكشوف العيني ذلك الذي معه امرناه (عبرانيين ١٣:٤)
5- الكمال : بياان الله هو الذي أوصانا أن تعمل الخير وتجنب الشر، وهو الذي أودع فينا الضمير الذي تميز به بين هذا وذاك ، إذا فهو كامل أيضاً في صفات القداسة والمحبة. والعدالة والرحمة، وغيرها من صفات الكمال. وإذا رجعنا إلى الكتاب المقدس وجدنا أن الإعجاب بكمال الله قد سبى عقول الأنبياء حتى عجزوا عن الإحاطة به ، فخاطبه داود النبي : « برك (أي استقامتك) إلى العلياء يا الله، الذي صنعت العظائم . يا الله من مثلك؟!» (مزمور ۷۱ : 19 )، وأيضاً: يا رب في السموات رحمتك، أمانتك إلى الغمام . . . ما أكرم رحمتك يا الله !! » (مزمور 36 : 5-7 )، و خاطبه موسى النبي قائلا : من مثلك .. يا رب معتزاً بالقداسة ؟!» (خروج 14 : 11) ، وقال يوحنا الرسول « الله محبة » ( يوحنا ٨:٤).
ولا يقصد بالقول « الله محبة » أن صفة المحبة هي ذات الله ، كما يقول بعض الفلاسفة بل يقصد به أن كيانه (إن جاز هذا التعبير) يفيض بالمحبة، وأن المحبة لا حد لها
6-الثبات أو عدم التغير بما أن الله أزلي أبدي ، فهو لا يتغير في أية ناحية من النواحي ، فمثلا لا تتغير صفاته كالعدل والرحمة والقدرة ، فيصبح يوماً ما متساهلا أو قاسياً أو عاجزاً، ولا تتغير أقواله من نبوات ووعود وأوامر ونواهي ، فيلغي بعضها ويأتي بغيرها، بل أنه يظل كما هو بذاته ومقاصده، إلى الأبد،
وقد شهد بهذه الحقيقة فقال: «لأني أنا الرب، لا أتغيره (ملاخي ٦:٣)، وايضا قال بلعام بن باعور عن الله : وليس الله إنساناً فيكذب ، ولا ابن آدم فيندم . هل يقول ولا يفعل؟! أو يتكلم ولا يفي ؟!» (عدد 23 : 19 )
الله (كما أجمع الفلاسفة المؤمنون بوجوده الذاتي) لا ياتى من العدم إلى الوجود، لأنه هو علة الوجود . أصله . ولا ينتقل من الوجود إلى العدم، لأن وجوده واجب، ولا يتغير في أية صفة من صفاته، لأنه كامل في ذاته كل الكمال، وما أصدق ما قاله القديس أوغسطينوس في إحدى عنوانه : «كيا تعرف أنك أنت الموجود الحقيقي وحدك، كذلك تعرف أنك انت وحدك الموجود بلا تغير،
إذا فالله حي : نعم ، بل وهو رب الحياة لأنه خالق العالم وكل ما فيه ، والشرط الأساسي في الخالق أن يكون حيا، ولذلك قال بولس الرسول : «رجعتم إلى الله من الأوثان ، لتعبدوا الله الحي الحقيقي ، (1 تسالونيكي ۹:۱) کما قال يوحنا الرسول: ويسجدون للحي إلى أبد الابدين، ( رؤيا ١٠:٤).
ا - إنما غير محدودة سواء في قوتها أم في فعلها، لأنه تعالى لا يحده حد.
٢- إنها متوافقة معاً كل التوافق، لأن من دواعي كمال الله ألا تطغي صفة فيه على صفة أخرى. فمثلا صفة الرحمة فيه لا تطغى على صفة العدال، وصفة العدال فيه لا تطغى على صفة الرحمة ، بل إنها متعادلتان كل التعادل ومتوافقتان كل التوافق ، وهكذا الحال مع كل صفاته المقابلة كالقوة والعظمة والوداعة ، وغير ذلك
3- إنها أصلية فيه فهو قدير عليم مريد سميع بصير كليم
أولا، قبل وجود أي مخلوق من المخلوقات، لأنه كامل في ذاته كل الكمال، ولا يكتسب شيئاً من الخصائص أو الصفات، لأن الاكتساب يدل على التغير، وهو لا يتغير
هذا بحث مختصر عن ذات الله وصفاته ، وليس في وسعنا أن نكتب عنه أكثر مما كان لأنه ليس له شبيه حتى تستطيع وصفه وصفاً كاملا، فقد قال لنا:٥ بِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي وَتُسَوُّونَنِي وَتُمَثِّلُونَنِي لِنَتَشَابَهَ؟.!» (إشعياء ٥:٤٦)، والجواب : طبعاً، لا شبيه لك ولا نظير يا الله، لأنك القوي ولا حد لقوتك ، والكامل ولا نهاية لكمالك